شخصياتٌ خيالية

ككل أقراني، تُيّمتُ في طفولتي ببعض شخصيات الكرتون، وتمادى عشقي لبعضها حد الجنونِ، ولن أخجل أو أشعر بالحرج ممّا سأقوله ولكنني تمنيتُ حقًا لو أنني التقيت المعلم آفان من داي الشجاع، أو حسان من سلام دانك أو بسّام من الكابتن ماجد وغيرهم.

ذات يومٍ ظهر على الشاشةِ أحد جنود سبيس تُوون المجهولين، وكانت فتاةً تقوم بدور بطلي المُفضل! كيف هذا؟ لقد تمت خديعتي، الصوت الذي لازم شخصيتي المُفضلة هو صوتُ فتاةٍ! هنا فكرة لقائي لشخصيتي المُفضلة لطخها بعض الخلل، كيف أصلًا سيكون هذا اللقاء؟ هل الذي يُمثل بات مان مثلًا مؤدي الصوت؟ أم الرسّام؟ أم الكاتب؟ أم المؤلف؟ بمن سألتقي؟

مع مضي العمر قليلًا، تعلّقت بالكثيرِ من الشخصيات التي ظهرت في مُسلسلاتٍ أحببتها، وربما أذكر دور هيو لوري الاستثنائي -وسأعود لهذه النقطة- في مسلسل دكتور هاوس! حيث وجدت تطابقًا في نمط الشخصية وبعض الملامح وغير هذا ولكن؟ هيو لوري ممثل متواضع، خارج إطار الكاميرا هو شخصٌ لا يفقه عن الطبِ شيئًا ولا يجيد الكلام ببراعة هاوس ولا يُشبه نمط الشخصية الاستثنائي الذي ذكرتهُ مُسبقًا. إذا هذا خلل آخر، في الحالتين وجدتُ نفسي أتعلّق بفكرة! بوهمٍ لا وجودَ له إلا على نصوصِ الأوراق. إذا لا سبيل للقاء هاوس أبدًا هو الآخر.

وبالحديثِ عن الأوراق، تكرر الأمر حين فُتنت بالطبيب رفعت اسماعيل، بطل روايات الراحل الكبير د. أحمد خالد توفيق، ولكن! لن ألتقي رفعت، وأحمد ليس برفعت مع احترامي وتقديري. وهنا نستنتج أنّه يمكن السيطرة على قلبِ رجلٍ ما إذا ما رُتّبت قطعٌ صغيرة لا يمكن لأحدها وحده أن ينفع أو يضر!

بهذه القناعة أجد إجابة كافية لما يحدث حين يقع المرء في حب شخصٍ آخر، وعند كُل خطوةِ اقترابٍ تسقط قطعةٌ من الكمال الذي أسرَهُ في البداية. نعم هَذا ما يحدث، المسافة الكافية تجعل من القطع الصغيرة لوحةً مُبهجةً للقلبِ ولكنها المسافة. القليل من البحث، القليل من الاقتراب أو القليل من التسرّع سيصدمك بمالا تُحمدُ عقباهُ ولا تُشكر.

يقول صديقي الكاتب البديع أنيس فوزي في نصٍ أعتبره من أفضل ما قرأت: “لا شاعريّتك، ولا فنّك، ولا مواهبك، ولا لأنّك جميلة، أو لأنّك أنيقة ولطيفة، تكفي لأقول لك: “هاهْ، أنتِ متعدّدة، وتفعلين الأشياء بمهارة، فهل تقبلينني حبيبًا؟” الحبُّ أسبابهُ تافهة دائمًا، ربّما أحببتُك من أجل أشياءٍ غبيّة تفعلينها وتريدين في قرارة نفسك التخلّص منها”.

ما يُمكن قوله هنا، أننا نشبهُ هذه التراكيب وهذه الشخصيات المعقدة التي تسحرنا لوهلةٍ. هكذا يرانا البعض وهكذا نرى البعض الآخر، وللتعايش مع هذه الحقيقة، لابد من إدراكَ أنّه لا كمال في الحب، وأنّ السحر الأفلاطوني لا وجودَ له إلا حين تتحول أجزاءٌ صغيرة ممن نختارهم إلى جبالٍ عظيمةٍ في قلوبنا، هكذا فقط يمكن صناعة شخصيةٍ ترتدي ثوبَ البطل بجسدِ نهوى، هكذا فقط يمكن أن تهنأَ سريرة المطاردِ لشخصيةٍ لن ينالها إلى أن ينال منه العمر أو تذبل من حولهِ كل البراعم اليانعة التي كان من الممكن أن تزهر بستان قلبهِ إلى الأبد.

رأي واحد حول “شخصياتٌ خيالية

اضافة لك

  1. فعلا الحفاظ على العلاقات من خلال المحافظة على المسافة الآمنة .. تحياتي 🌷

    إعجاب

أضف تعليق

بدء مدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑