الخلية

في علوم الأحياء، الخلايا الدقيقة متناهية الصغر هي من تصنع النظام، هي من تتاكثف لتصنع نسيجًا صالحا ومن ثم يصبح هذا النسيج عضوًا أساسيًا لتشكيل خلق الكائن الحي.

إذ أن الحياة تنشأ من متناهي الصغر فالأكبر فالأكبر وليس العكس، لا يمكن لكائن حي أن يروّض إرادته للانقلاب على هذا النظام، لا يستطيع الكائن الحي أمر أعضائه بالعمل أو التوقف ولا يقدر على سقمه غصبا أو شفاءه عمدًا.

هذا التركيب الفطري ينطبق بلا استثناء على جميع المخلوقات، كل الحياة تتكون من خلايا أصغر من ذرات الغبار لا تتوقف عن التتكاثف والاتحاد لتنشئ نظامها الخاص والدقيق الذي يسمح لها بالعيش والنجاة.

هنا تأتي نظرة منتكسة، نظرة يظن من خلالها البعض أن الأسرة يمكن أن تصلح الفرد، وأن المجتمع يمكنه أن يصلح الأسرة والبلد قادرة على علاج سلوك مجتمعاتها.

حتى حينما خاطب القرآن مستمعوه، بيّن الله في كتابه أن التغيير في قومٍ لا يأتِ إلا إذا تغير مكوّنه الأصغر وهو الفرد. إن تغيرت نفس الفرد أولا إلى الأفضل انعكس هذا على المجسمات الأكثر تعقيدًا.

للعلماء تفسير رائع يُطلق عليه “تأثير الفراشة” وملخصه أن رفرفة جناحا الفراشة التي لا تكاد تُذكر، قادرة على تحريك الهواء في موجات متناهية الصغر ولكن يمكن لهذه الموجات أن تكبر شيئًا فشيئًا فتحرّك بذلك بتلات زهرةٍ لتُسقط بذورها فتُنبتَ الأرض زهرةً أخرى فتتحوّل إلى بستانٍ ويجذب هذا البُستان النحل الذي له دورٌ أكبر في توازن الطبيعة وهكذا إلى أن يصل التأثير إلى كُل من في الأرض.

هذا تمامًا ما يمكن أن يفعله شخصٌ صالح، فللهِ سنةٌ في التغيير مُماثلة، فطريقة اختيار من يبعث رسالته في الأرض لم تكن إلا عن طريق أفراد ولم يبعث أمةً صالحة تُصلح غيرها، بل كان شخصًا أو اثنين بدأت منهم موجة التغيير حتى غمرت الأرض جميعًا. ومن هنا نفهم أهمية سلامة الفرد وتأثيره على ما حوله.

إن الفرد العامل في مؤسسة ويعث فسادً في الأرض وكسادً؛ تجده يلوم خطأ المؤسسة وتقصيرها في حقه، والمعلم الذي يعبث بأمانته يلوم المدرسة التي تحمّله مالا طاقة له به والأمثلة الموازية لهذا كثيرة والجميع ينتظر التحسّن العكسي، الارتقاء المنافي للطبيعة وسنة الكون، ولسوء حظنا هنا؛ فهذه الدعوة وهذا الرجاء لم ولن يُستجابا أبدًا.

رأي واحد حول “الخلية

اضافة لك

أضف تعليق

بدء مدونة على ووردبريس.كوم. قالب: Baskerville 2 بواسطة Anders Noren.

أعلى ↑